"فورين بولسي": تغريدة من ترامب قد تُغير مصير غزة وتنقذ أرواح الرهائن

"فورين بولسي": تغريدة من ترامب قد تُغير مصير غزة وتنقذ أرواح الرهائن
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أرشيف

أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرارًا رغبته في إنهاء الحرب في قطاع غزة "بأسرع وقت ممكن"، ورغم امتلاكه الوسائل اللازمة لتسريع الوصول إلى هذا الهدف، من البداية، فقد اختار طريقًا مختلفًا زاد من تعقيد المشهد.

وفقًا لتحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تصاعد الغضب نتيجة استمرار العمليات العسكرية وعدم تحقيق تقدم في ملف الرهائن، بالإضافة إلى التدهور الإنساني في القطاع، لا سيما بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توسيع ما يعرف بـ"عملية عربات جدعون".

أبدى ترامب انزعاجه من هذه التطورات، إلا أن مواقفه السابقة أسهمت في إيصال الوضع إلى هذه المرحلة، فعند لقائه بنتنياهو في البيت الأبيض في فبراير، وبعد نجاحه في التوسط لوقف إطلاق نار مؤقت واتفاق مبدئي حول تبادل الأسرى، كان بإمكانه الضغط لإتمام المرحلة التالية: إطلاق جميع الرهائن الأحياء مقابل إنهاء العمليات العسكرية.

رفض المضي في تسوية

تجنّب ترامب هذا الخيار واختار بدلاً من ذلك تقديم مقترح أثار انتقادات واسعة، دعا فيه إلى "إفراغ غزة من الفلسطينيين"، وإقامة مشروع ضخم تحت إدارة أمريكية على شواطئ القطاع يتضمن سلسلة من الفنادق الفاخرة، فيما أُطلق عليه لاحقًا "خطة ريفييرا غزة".

دعم الرئيس الأمريكي هذه الفكرة بفيديو دعائي مُعدّ بتقنيات الذكاء الاصطناعي، رغم ما حملته من تصورات غير واقعية وغير مدروسة.

لم يتضمن المقترح أي التزام أمريكي بإرسال قوات أو تخصيص تمويل، ولم تعرض أي دولة استضافة سكان غزة أو تمويل إعادة إعمار المنطقة، كما لم يُطرح على الفلسطينيين رأيهم في الخطة، ومع أن بعض السكان قد يرغبون في المغادرة، فإن فرضها على من يختار البقاء يرقى إلى سياسة تطهير عرقي مرفوضة أخلاقيًا وقانونيًا.

وأدى طرح "خطة ريفييرا غزة" إلى تقوية موقف وزراء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، اللذان يدفعان نحو تطهير غزة من الفلسطينيين وإعادة احتلالها وتوطينها من جديد، ووجد رئيس الوزراء نتنياهو، الذي تعتمد حكومته على دعم هؤلاء الوزراء، نفسه عاجزًا عن معارضة توجهاتهم.

رفض نتنياهو المطالب الشعبية الإسرائيلية الداعية لإطلاق جميع الرهائن مقابل وقف الحرب، وأعلن دعمه لما سُمي بـ"إطار عمل ويتكوف"، وهو مقترح طرحه المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، يهدف إلى هدنة جزئية تشمل عددًا محدودًا من الرهائن.

رفضت حماس المقترح حتى الآن، ومع أن بعض المؤشرات تفيد بأنها قد تقبل به قريبًا، إلا أن فاعليته تبقى محدودة في ظل تصاعد الأعمال القتالية.

اشترط نتنياهو، للمرة الأولى، تنفيذ خطة ترامب لتفريغ غزة من سكانها كمدخل لإنهاء العمليات العسكرية، متجاوزًا بذلك الأهداف المُعلنة للحرب، وهي إطلاق سراح الرهائن وإضعاف حركة حماس.

في المقابل، تستعد القوات الإسرائيلية للسيطرة على 75% من أراضي غزة خلال شهرين، مع دفع المدنيين الفلسطينيين إلى التجمع في مناطق ضيقة، فيما تبدأ خطة جديدة لتوزيع المساعدات الإنسانية تهدف إلى منع وصولها لحماس.

واجهت هذه الخطة انتكاسة مبكرة بعد استقالة مدير المؤسسة الإنسانية المُكلفة بالإشراف عليها، ما ألقى بظلال من الشك على إمكانية نجاحها، ومع استمرار العمليات العسكرية، يواجه ما لا يقل عن 20 رهينة خطرًا حقيقيًا على حياتهم، بينما تواصل حماس شن هجمات من داخل شبكة الأنفاق الواسعة تحت الأرض.

انهيار المبادرات الإقليمية

أسهمت تطورات الحرب في تعميق عزلة إسرائيل الدولية، بعد موجة من الإدانات والتحذيرات من قادة فرنسا والمملكة المتحدة وكندا، في حال أقدمت إسرائيل على إعادة احتلال غزة بالكامل، فمن المرجح أن ترفض الدول العربية تقديم أي مساعدات أو المشاركة في جهود إعادة الإعمار، وستعتبر الأزمة مسؤولية إسرائيل وحدها.

يُرجّح أن يُقابل اليمين الإسرائيلي المتطرف هذا التراجع العربي بمزيد من التصعيد، مُعتبرًا أن ضم غزة بات قاب قوسين أو أدنى، وقد يؤدي ذلك إلى تفجر الأوضاع في الضفة الغربية أيضًا، ما يُفاقم من التهديدات الأمنية والسياسية في المنطقة.

وأهدر ترامب فرصة دبلوماسية خلال جولته الأخيرة في المنطقة، إذ ركز على توقيع صفقات اقتصادية مع حلفائه الخليجيين وتجاهل تطورات الصراع في غزة، كان بإمكانه استغلال زيارته لإسرائيل، والضغط لإتمام صفقة شاملة للإفراج عن الرهائن ووقف إطلاق النار، وربما حتى التمهيد لتقدم ملموس نحو اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل.

وتمكن ترامب، في ظروف مماثلة خلال الخريف الماضي، من دعم وقف إطلاق نار بين إسرائيل ولبنان عبر رسالة أمريكية جانبية ضمنت حقوق إسرائيل الأمنية، كان بإمكانه تكرار ذلك في غزة، وحشد دعم عربي لإبعاد قادة حماس وإعادة إعمار القطاع تحت إدارة فلسطينية جديدة.

فرصة للتراجع وتصحيح المسار

لا تزال الفرصة سانحة أمام ترامب لتغيير المسار وتفادي كارثة إنسانية جديدة، يتطلب الأمر خطوة بسيطة: التراجع العلني عن "خطة ريفييرا غزة"، ومع أن الاعتراف بالخطأ ليس من سماته المعهودة، فإن إصرار نتنياهو على الخطة بات العائق الأكبر أمام إطلاق سراح الرهائن وتحقيق تسوية سياسية عادلة.

يستطيع ترامب، بتغريدة واحدة، توجيه رسالة قوية: "الخطة السابقة للسيطرة على غزة غير واقعية.. علينا التوجه إلى وقف إطلاق نار شامل وإطلاق سراح الرهائن، وسأتعاون مع إسرائيل والدول العربية على صياغة خطة تقود إلى إعادة إعمار غزة دون حماس"، وفقًا لـ"فورين بوليسي".

قد تُمهّد هذه التغريدة، إذا تلتها دبلوماسية نشطة، الطريق لإنقاذ الأرواح الفلسطينية والإسرائيلية، وفتح الباب أمام مستقبل سياسي أكثر استقرارًا في المنطقة، لكن لتحقيق ذلك، يجب أن يُسدل ترامب الستار على وهم "ريفييرا غزة".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية